فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي عشر:

عَن معَاذ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «سَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَمَّا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَقَالَ: مَا فَوق الْإِزَار».
هَذَا الحَدِيث مَدَاره عَلَى طَرِيقين:
إِحْدَاهمَا: عَن هِشَام بن عبد الْملك الْيَزنِي، عَن بَقِيَّة، عَن سعيد بن عبد الله الْأَغْطَش، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ، عَن معَاذ مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي بَاب الْمَذْي، وَزَاد: «وَالتَّعَفُّف عَن ذَلِك أفضل»، وَهَذَا الطَّرِيق مَعْلُول بِبَقِيَّة وبِسَعِيد الْأَغْطَش.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ عَن بَقِيَّة، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن سعيد الْأَغْطَش وَهُوَ مَجْهُول.
وَكَذَا قَالَ عبد الْحق فِي الْأَحْكَام: إِن فِي إِسْنَاده بَقِيَّة وسعيد الْأَغْطَش وهما ضعيفان.
قلت: وَلم أر من وصف سعيد بن عبد الله الْأَغْطَش بالضعف، نعم هُوَ مَجْهُول الْحَال، كَمَا قَالَ ابْن حزم وَإِن كَانَ رَوَى عَنهُ جمَاعَة فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بالضعف الْجَهَالَة، وأجمل أَبُو دَاوُد القَوْل فِي ضعف هَذَا الحَدِيث فَقَالَ فِي سنَنه عقب رِوَايَته لَهُ: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش قَالَ: حَدَّثَني سعيد بن عبد الله الْخُزَاعِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ «أَن رجلا سَأَلَ معَاذ بن جبل عَمَّا يُوجب الْغسْل من الْجِمَاع، وَعَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد، وَعَما يحل للحائض من زَوجهَا، فَقَالَ معَاذ: سَأَلت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: إِذا جَاوَزت الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل، وَأما الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد فتوشح بِهِ، وَأما مَا يحل من الْحَائِض فَيحل مِنْهَا مَا فَوق الْإِزَار واستعفاف عَن ذَلِك أفضل».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك، وَإِسْمَاعِيل قد عرفت حَاله فِي الحَدِيث السَّابِع فِي بَاب الْغسْل، وَابْن عَائِذ تقدم فِي الحَدِيث الثَّامِن من بَاب الْأَحْدَاث.
قلت: وَرُوِيَ مثل حَدِيث معَاذ من حَدِيث عمر وَعبد الله بن سعد وَعَائِشَة، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَيْهَا فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب، فسارع إِلَيْهِ.

.الحديث الثَّالِث عشر:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «من رتع حول الْحمى يُوشك أَن يواقعه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى صِحَّته وَعظم موقعه، وَأَنه أحد الْأَحَادِيث الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الْإِسْلَام.
قَالَ جمَاعَة: هُوَ ثلث الْإِسْلَام. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ربعه. أَخْرجَاهُ من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول- وأهوى النُّعْمَان بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ-: «إِن الْحَلَال بَين، وإِن الْحَرَام بَين، وَبَينهمَا أُمُور مُشْتَبهَات لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس، فَمن اتَّقَى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه، وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام، كَالرَّاعِي يرْعَى حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ، أَلا وَإِن لكل ملك حمى، أَلا وَإِن حمى الله مَحَارمه، أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله، أَلا وَهِي الْقلب». هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ فِي «الْإِيمَان» فِي بَاب فضل من اسْتَبْرَأَ لدينِهِ نَحوه، وَقَالَ: «أَلا وَإِن حمى الله فِي أرضه مَحَارمه»، وَلَفظه فِي الْبيُوع: «الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا أُمُور مشتبهة، فَمن ترك مَا شبه عَلَيْهِ من الْإِثْم كَانَ لما استبان أترك، وَمن اجترأ عَلَى مَا يشك فِيهِ من الْإِثْم أوشك أَن يواقع مَا استبان، والمعاصي حمى الله من يرتع حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ» وَفِي نُسْخَة «يَقع فِيهِ» وَعَلَيْهَا اقْتصر عبد الْحق فِي جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ.

.الحديث الرَّابِع عشر:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كنت مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الخميلة، فانسللت، فَقَالَ: أنفست؟ فَقلت: نعم. فَقَالَ: خذي ثِيَاب حيضتك وعودي إِلَى مضجعك. ونال مني مَا ينَال الرجل من امْرَأَته إِلَّا مَا تَحت الْإِزَار».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ فِي وسيطه، وَهُوَ تبع إِمَامه، فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي نهايته وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور إِلَّا آخِره، وَهُوَ: «ونال مني...» إِلَى آخِره، فَلم أعثر عَلَيْهَا وَلم يعثر عَلَيْهَا قبلي ابْن الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ، وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب يُنكر عَلَى الْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط كَونه رَوَاهَا، قَالَ: وَهِي زِيَادَة غير مَعْرُوفَة فِي كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة.
قلت: وَلَفظ حَدِيثهمَا فِي الصَّحِيح: «كَانَت إحدانا إِذا كَانَت حَائِضًا أمرهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن تأتزر فِي فَور حَيْضَتهَا ثمَّ يُبَاشِرهَا، قَالَت: وَأَيكُمْ يملك إربه كَمَا كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يملك إربه».
وَفِي لفظ: «كَانَت إحدانا إِذا كَانَت حَائِضًا أمرهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فتأتزر بإزارها ثمَّ يُبَاشِرهَا».
رَوَاهُمَا مُسلم فِي صَحِيحه وَلَفظ البُخَارِيّ عَن عَائِشَة: «كَانَ يَأْمُرنِي فأتزر فيباشرني وَأَنا حَائِض».
وَرِوَايَة الْمُوَطَّأ قريبَة من رِوَايَة المُصَنّف، وَمن سبقه إِلَى قَوْله: «مضجعك» فَإِنَّهُ رَوَى الحَدِيث عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن «أَن عَائِشَة زوج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَت مُضْطَجِعَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي ثوب وَاحِد وَإِنَّهَا وَثَبت وثبة شَدِيدَة، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: مَا لَك لَعَلَّك نفست؟- يَعْنِي الْحَيْضَة- قَالَت: نعم. قَالَ: شدي عَلَى نَفسك إزارك، ثمَّ عودي إِلَى مضجعك».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ مَالك مُرْسلا. وَأخرجه قبل ذَلِك- أَعنِي الْبَيْهَقِيّ- من حَدِيث شريك بن عبد الله- هُوَ ابْن أبي نمر- عَن عَطاء بن يسَار، عَن عَائِشَة قَالَت: «كنت مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي لِحَاف وَاحِد، فانسللت، فَقَالَ: مَا شَأْنك؟ فَقلت: حِضْت، فَقَالَ: شدي عَلَيْك إزارك، ثمَّ ادخلي».
فَائِدَة: الخَمِيلة- فِي رِوَايَة المُصَنّف- بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَكسر الْمِيم، قَالَ أهل اللُّغَة: هِيَ القطيفة، وَهِي كل ثوب لَهُ خمل من أَي شَيْء كَانَ. وَقيل: هِيَ الْأسود من الثِّيَاب. وَعبارَة الْجَوْهَرِي: الخمل: الهُدب والطِّنفسة أَيْضا. وفور حَيْضَتهَا- بِفَتْح الْحَاء، وَإِسْكَان الْوَاو- وَمَعْنَاهُ: معظمها وَوقت كثرتها. وَالْمرَاد بِالْمُبَاشرَةِ: التقاء البشرتين عَلَى أَي وَجه كَانَ. وحيضتها: بِفَتْح الْحَاء أَي الْحيض، قَالَه النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم، وَفِي الْمُحكم: الْحَيْضَة- يَعْنِي بِفَتْح الْحَاء- الْمرة الْوَاحِدَة. والحِيضة- يَعْنِي بِكَسْر الْحَاء الِاسْم. قَالَ: وَقيل: الْحَيْضَة- يَعْنِي بِالْكَسْرِ الدَّم نَفسه وَفِي الصِّحَاح: الحَيضة: الْمرة الْوَاحِدَة. والحِيضة بِالْكَسْرِ: الِاسْم. إربه- بِكَسْر الْهمزَة، وَإِسْكَان الرَّاء-: الْحَاجة، وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا.
وَمَعْنى تأتزر: تشد إزَارهَا تستر سرتها وَمَا تحتهَا إِلَى الرّكْبَة فَمَا تحتهَا.

.الحديث الخَامِس عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ من حَدِيث أم سَلمَة مثل حَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، لَكِن بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَة الْمُتَقَدّمَة الْمُنكرَة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْهَا قَالَت: «بَينا أَنا مُضْطَجِعَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الخميصة إِذْ حِضْت، فانسللت، فَأخذت ثِيَاب حيضتي، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أنفست؟ قلت: نعم. فدعاني فاضطجعت مَعَه فِي الخميلة».
فَائِدَة: مَعْنَى انسللت: ذهبت فِي خُفْيَة.
وحيضتي- بِكَسْر الْحَاء- وَهِي حَالَة الْحيض أَي أخذت الثِّيَاب الْمعدة لَهُ من الْحيض. قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَيحْتَمل فتح الْحَاء: الثِّيَاب الَّتِي ألبسها فِي حَال حيضتي، فَإِن الْحَيْضَة- بِالْفَتْح- هِيَ الْحيض.
وأنفست:- بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء- أَي حضتِ. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: يُقَال فِي الْولادَة بِضَم النُّون وَفتحهَا، وَفِي الْحيض بِالْفَتْح لَا غير، وَنقل أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي الْوَجْهَيْنِ فِيهَا.

.الحديث السَّادِس عشر:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لفاطمة بنت أبي حُبَيْش: «توضئي لكل صَلَاة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض فَلَا أطهر، أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا ذَلِك عرق، وَلَيْسَت بالحيضة، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، فَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي».
قَالَ أَبُو مُعَاوِيَة فِي حَدِيثه: «وتوضئي لكل صَلَاة، حتَّى يَجِيء ذَلِك الْوَقْت».
رَوَاهُ كَذَلِك التِّرْمِذِيّ من حَدِيث وَكِيع وَعَبدَة وَأبي مُعَاوِيَة، عَن هَاشم بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَنْهَا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث وَكِيع، عَن الْأَعْمَش، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ... فَذكر خَبَرهَا قَالَ: «ثمَّ اغْتَسِلِي، ثمَّ توضئي لكل صَلَاة وَصلي».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث وَكِيع، عَن الْأَعْمَش إِلَى عَائِشَة قَالَت: «جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر، أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَ بالحيضة، اجتنبي الصَّلَاة أَيَّام محيضك، ثمَّ اغْتَسِلِي، وتوضئي لكل صَلَاة، وَإِن قطر الدَّم عَلَى الْحَصِير».
ورَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث حَمَّاد، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَنْهَا قَالَت: «استحيضت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر، أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وتوضئي وَصلي، فَإِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَت الْحَيْضَة وقيل لَهُ: فالغسل، قَالَ: وَذَلِكَ لَا يشك فِيهِ أحد».
وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده من هَذَا الْوَجْه بِنَحْوِهِ، وَفِي آخِره: «قَالَ هِشَام: وَكَانَ أبي يَقُول: تَغْتَسِل غسل الأول، ثمَّ مَا يكون بعد ذَلِك فَإِنَّهَا تطهر وَتصلي».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش كَانَت تستحاض، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِن دم الْحيض أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي».
وَضعف أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث بِمَا لَيْسَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِأَن قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف. قَالَ: وَدلّ عَلَى ضعفه أَن حفصًا أوقفهُ وَأنكر رَفعه، وَأَوْقفهُ أَيْضا أَسْبَاط عَن الْأَعْمَش مَوْقُوفا عَلَى عَائِشَة.
قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن دَاوُد عَن الْأَعْمَش مَرْفُوعا أَوله. وَأنكر أَن يكون فِيهِ الْوضُوء عِنْد كل صَلَاة، ثمَّ أوضح ضعفه. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِلَفْظ: «إِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك أثر الدَّم وتوضئي وَصلي» قَالَ: رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح عَن خلف بن هِشَام، عَن حَمَّاد دون قَوْله: «وتوضئي» ثمَّ قَالَ مُسلم: وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد حرف تركنَا ذكره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا لِأَن هَذِه الزِّيَادَة غير مَحْفُوظَة، إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة وَغَيره عَن هِشَام بن عُرْوَة هَذَا الحَدِيث وَفِي آخِره: «قَالَ هِشَام: قَالَ أبي: ثمَّ توضئي لكل صَلَاة حتَّى يَجِيء ذَلِك الْوَقْت». وَكَأَنَّهُ ضعفه بمخالفة سَائِر الروَاة عَن هِشَام، ونازعه صَاحب الإِمام فِي ذَلِك فَقَالَ: قد عرف أَكثر مَذْهَب الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء فِي قبُول زِيَادَة الْعدْل، وَحَمَّاد بن زيد من أكابرهم.
قلت: وَلم ينْفَرد حَمَّاد بذلك عَن هِشَام، بل رَوَاهُ عَنهُ أَبُو عوَانَة كَمَا أخرجه الطَّحَاوِيّ فِي كتاب الرَّد عَلَى الْكَرَابِيسِي من طَرِيقه بِإِسْنَاد جيد، وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا حَمَّاد بن سَلمَة.
كَمَا أخرجه الدَّارمِيّ فِيمَا سلف، وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا أَبُو حنيفَة كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ والطَّحَاوِيّ.
وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا وَكِيع وَعَبدَة وَمُعَاوِيَة كَمَا سلف من طَرِيق التِّرْمِذِيّ مصححًا لَهُ، وَأَبُو حَمْزَة كَمَا أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيثه عَنهُ، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش أَتَت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسْتَحَاض الشَّهْر والشهرين؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِك بحيض، وَلكنه عرق، فَإِذا أقبل الْحيض فدعي الصَّلَاة عدد أيامك الَّتِي كنت تحيضين فِيهِ، فَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وتوضئي لكل صَلَاة».
ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذِه اللَّفْظَة تفرد بهَا أَبُو حَمْزَة وَأَبُو حنيفَة. ثمَّ رَوَى من حَدِيث أبي عوَانَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن الْمُسْتَحَاضَة، فَقَالَ: تدع الصَّلَاة أَيَّامهَا، ثمَّ تَغْتَسِل غسلا وَاحِدًا، ثمَّ تتوضأ عِنْد كل صَلَاة». ثمَّ قَالَ صَاحب الإِمام: كَأَن الْبَيْهَقِيّ اسْتدلَّ بِرِوَايَة أبي مُعَاوِيَة وَمَا وَقع فِيهَا من انْفِصَال قَول عُرْوَة من الحَدِيث عَلَى أَنه من قَول عُرْوَة لَا مُسْندًا فِي الحَدِيث وَفِي ذَلِك نظر.
قلت: قد وَصلهَا غَيره كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
تَنْبِيه: قَول عُرْوَة أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه عَن اللالكائي عزوه إِلَى الصَّحِيحَيْنِ وَأقرهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ فَقَط.
فَائِدَة: فَاطِمَة هَذِه، هَل كَانَت مُمَيزَة أَو مُعْتَادَة؟ بحث قَدمته فِي أول بَاب الْغسْل فَرَاجعه من ثمَّ.

.الحديث السَّابِع عشر:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لحمنة بنت جحش: أَنعَت لَك الكرسف؟ قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك. قَالَ: فاتخذي ثوبا..» الحَدِيث.
هَذَا الحَدِيث هُوَ طرف من الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث الْبَاب، وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ بِطُولِهِ وفوائده.

.الحديث الثَّامِن عشر:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض فَلَا أطهر أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي».
قَالَ الرَّافِعِيّ: أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا فِي أول بَاب الْغسْل، وَذكر بعضه المُصَنّف فِي أَوَائِل الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث مِنْهُ.
وَذكر فِي أثْنَاء الْبَاب أَنه رُوِيَ: «فَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي» وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجهَا البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عَائِشَة «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش كَانَت تستحاض فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي».
فَائِدَة: الْعرق بِكَسْر الْعين وَإِسْكَان الرَّاء، هَذَا الْعرق يُقَال لَهُ العاذل- بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة- قَالَه الْأَزْهَرِي.
وَحَكَى ابْن سَيّده إهمالها وَبدل اللَّام رَاء، وَهَذَا الْعرق فَمه فِي أدنَى الرَّحِم، وَمَعْنى «إِنَّمَا ذَلِك عرق»: أَي دم عرق.

.الحَدِيث التَّاسِع عشر:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: «إِن دم الْحيض أسود يعرف، وَإِن لَهُ رَائِحَة، فَإِذا كَانَ ذَلِك فدعي الصَّلَاة، وَإِذا كَانَ الآخر فاغتسلي وَصلي».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير، عَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش «أَنَّهَا كَانَت تستحاض فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِذا كَانَ دم الْحيض فَإِنَّهُ دم أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي».
هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ مثله إِلَّا أَنه قَالَ بعد «فتوضئي»: «فَإِنَّمَا هُوَ عرق» وَلم يذكر: «وَصلي».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن دم الْحيض أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي».
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرُوِيَ عَن الْعَلَاء بن الْمسيب وَشعْبَة، عَن الحكم، عَن أبي جَعْفَر، قَالَ الْعَلَاء: عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَأَوْقفهُ شُعْبَة «تَوَضَّأ لكل صَلَاة».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ أبي دَاوُد سَوَاء، وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِزِيَادَة بعد «وَصلي»: «فَإِنَّمَا ذَلِك عرق» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي محلاه فِي كتاب النِّكَاح: إِنَّه حَدِيث صَحِيح.
وَقَالَ ابْن الصّلاح: حَدِيث مُحْتَج بِهِ.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي إلمامه بعد أَن عزاهُ إِلَى رِوَايَة النَّسَائِيّ: رِجَاله رجال مُسلم.
وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي الْوَهم والإِيهام لَهُ: هُوَ فِيمَا أرَى مُنْقَطع، لِأَنَّهُ يرْوَى عَن عُرْوَة، عَن فَاطِمَة. وَعَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن فَاطِمَة. قَالَ: وَلَو صَحَّ أَن عُرْوَة سمع من فَاطِمَة لم يَقع ذَلِك فِي الأول لإدخال عُرْوَة بَينهَا وَبَينه فِيهِ عَائِشَة.
قَالَ: وَزعم ابْن حزم أَن عُرْوَة أدْرك فَاطِمَة وَلم يستبعد أَن يسمعهُ من خَالَته وَمن ابْنة عَمه. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي غير صَحِيح. قَالَ: وَقد يظنّ السماع مِنْهَا لحَدِيث الْمُنْذر بن الْمُغيرَة عَن عُرْوَة أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش حدثته «أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فشكت إِلَيْهِ الدَّم فَقَالَ لَهَا: إِنَّمَا ذَلِك عرق، فانظري...» الحَدِيث.
وَهَذَا لَا يَصح مِنْهُ سَمَاعه مِنْهَا للْجَهْل بِحَال الْمُنْذر بن الْمُغيرَة، قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول لَيْسَ بالمشهور. وَفِي حَدِيث آخر سَمَاعه مِنْهَا عَلَى الشَّك. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن فَاطِمَة أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لَهَا: «إِذا رَأَيْت الدَّم الْأسود فأمسكي عَن الصَّلَاة، وَإِذا كَانَ الْأَحْمَر فتوضئي» فَقَالَ: لم يُتَابع مُحَمَّد بن عَمْرو عَلَى هَذِه الرِّوَايَة وَهُوَ مُنكر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أغرب مُحَمَّد بن عَمْرو عَن الزُّهْرِيّ بِهَذِهِ اللَّفْظَة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: فَاسد الْإِسْنَاد لم يروه إِلَّا ابْن عَمْرو، وَقد أَنْكَرُوا عَلَيْهِ.
وَأما رِوَايَة الإِمَام الرَّافِعِيّ بعد قَوْله «يعرف»: «وَأَن لَهُ رَائِحَة» فَلم أرها فِي شَيْء من كتب الحَدِيث، وَذكرهَا فِي أثْنَاء الْبَاب بِلَفْظ: «لَهُ رَائِحَة تعرف»، وَهَذَا هَكَذَا لَا يعرف.
قَالَ: وَورد فِي صفته أَنه أسود محتدم بحراني ذُو دفعات.
قلت: وَتبع فِي إِيرَاد هَذَا الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ ذكره فِي وسيطه وَتبع فِي ذَلِك الإِمَام فِي نهايته، وَفِي تَارِيخ الْعقيلِيّ نَحوه من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «دم الْحيض أَحْمَر بحراني، وَدم الِاسْتِحَاضَة كغسالة اللَّحْم».
قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الصّلاح عَن رِوَايَة الْغَزالِيّ وإمامه: إِنَّهَا ضَعِيفَة لَا تعرف. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط أَيْضا قَالَ- وَيَعْنِي حَدِيث فَاطِمَة، ثمَّ سَاق الحَدِيث السالف عَن رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَعَزاهُ إِلَى ابْن مَاجَه أَيْضا، وَإِنَّهُم رَوَوْهُ بأسانيد صَحِيحَة-: وَذكر الْغَزالِيّ فِي وسيطه تبعا للْإِمَام زِيَادَة فِي حَدِيث فَاطِمَة وَهِي: «عرق انْقَطع» وَأنكر وجود هَذِه الزِّيَادَة وَهِي «انْقَطع»
ابنُ الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فِي مطلبه وَهُوَ غَرِيب مِنْهُم، فَهَذِهِ اللَّفْظَة صَحِيحَة مَوْجُودَة فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وصحيح الْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وخلافيات الْبَيْهَقِيّ أَيْضا لكنه لينه، وَقد أوضحت ذَلِك كُله فِي تخريجي لأحاديث الْوَسِيط فارحل إِلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَورد فِي دم الِاسْتِحَاضَة أَنه أَحْمَر رَقِيق مشرق. قلت: الَّذِي أعلمهُ فِي صفة دم الِاسْتِحَاضَة مَا أسلفته عَن عَائِشَة، وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث عبد الْملك، عَن الْعَلَاء قَالَ: سَمِعت مَكْحُولًا يَقُول: عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «دم الْحيض أسود خاثر تعلوه حمرَة، وَدم الِاسْتِحَاضَة أصفر رَقِيق».
وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «دم الْحيض لَا يكون إِلَّا دَمًا أسود عبيطًا يعلوه حمرَة، وَدم الِاسْتِحَاضَة رَقِيق يعلوه صفرَة».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عبد الْملك هَذَا مَجْهُول، والْعَلَاء هُوَ ابْن كثير ضَعِيف فِي الحَدِيث، وَمَكْحُول لم يسمع من أبي أُمَامَة شَيْئا، أَنا بذلك أَبُو بكر الْفَقِيه عَن الدَّارَقُطْنِيّ قلت: الْعَلَاء لم ينْسب فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ «هُوَ ابْن كثير» وَإِقْرَار الْبَيْهَقِيّ لَهُ عَلَى ذَلِك يُعَارضهُ أَن الطَّبَرَانِيّ رَوَى هَذَا الحَدِيث وَفِيه الْعَلَاء بن الْحَارِث.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن الْعَلَاء بن الْحَارِث فَقَالَ: ثِقَة لَا أعلم أحدا من أَصْحَاب مَكْحُول أوثق مِنْهُ. قَالَ: وحَدَّثَني أبي سَمِعت دحيمًا وَذكر الْعَلَاء بن الْحَارِث فقدمه وَعظم شَأْنه. وَقَالَ: رَوَى الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه نعم كَانَ يرَى الْقدر.
وَأما ابْن طَاهِر الْحَافِظ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَذكرته عقب هَذَا الحَدِيث: الْعَلَاء هَذَا يروي الموضوعات. قَالَ: وَمن أَصْحَابنَا من زعم أَنه الْعَلَاء بن الْحَارِث، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن الْعَلَاء بن الْحَارِث حضرمي من الْيمن، وَهَذَا مولَى بني أُميَّة، وَذَاكَ صَدُوق، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث.
قلت: يُقَوي هَذَا مَا ذكره الحافظان وَالله أعلم.
تَنْبِيه: وهم صَاحب التنقيب عَلَى الْمُهَذّب فَادَّعَى أَن حَدِيث فَاطِمَة الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ أَولا وَهُوَ «أَن دم الْحيض أسود يعرف» أخرجه مُسلم من حَدِيث فَاطِمَة فِيهِ وَفِي البُخَارِيّ بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ كَمَا أسلفناه قبل ذَلِك.
فَائِدَة: الْأسود، قد فسره الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب بِأَنَّهُ الَّذِي يعلوه حمرَة متراكبة فَيضْرب من ذَلِك إِلَى السوَاد.
والمحتدم- بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ- كَمَا قَيده النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب قَالَ وَهُوَ مَأْخُوذ من احتدام النَّهَار، وَهُوَ اشتداد حره. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ الَّذِي يلْدغ الْبشرَة، ويحرقها لحدته، وَيخْتَص برائحة كريهة. قَالَ: وَقيل: هُوَ الضَّارِب إِلَى السوَاد. قَالَ: وَدم الِاسْتِحَاضَة رَقِيق لَا احتدام فِيهِ يضْرب إِلَى الشقرة أَو الصُّفْرَة، وَلذَلِك سمي مشرقًا، وَالْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة أَن المحدوم هُوَ الَّذِي اشتدت حمرته حتَّى اسود، الْفِعْل مِنْهُ احتدم.
وَقَوله: «ذُو دفعات» هُوَ بِضَم الدَّال وَفتحهَا، وَالضَّم أَجود، وَهُوَ اسْم للمدفوع، وبالفتح اسْم للمرة الْوَاحِدَة.
والبحراني: هُوَ الشَّديد الْحمرَة، قَالَه الرَّافِعِيّ ثمَّ حَكَى عَن صَاحب الغريبين أَنه يُقَال بحراني وباحراني أَي شَدِيد الْحمرَة أَي نِسْبَة إِلَى الْبَحْر لصفاء لَونه، بِخِلَاف دم الْفساد.
وَقَالَ الإِمَام فِي نهايته: إِنَّه الصَّحِيح. وَلم يبين مَا يُقَابله، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّه الدَّم الْكثير الغليظ الَّذِي يخرج من قَعْر الرَّحِم، ينْسب إِلَى الْبَحْر لكثرته وسعته.
قَالَ أهل اللُّغَة: والبحراني مَنْسُوب إِلَى الْبَحْر، وَهُوَ قَعْر الرَّحِم كَمَا يخرج المَاء من قَعْر الْبَحْر، وزادوه الْألف وَالنُّون فِي النّسَب مُبَالغَة، وَقيل: لِأَنَّهُ يخرج بسعة تدفق كَمَاء الْبَحْر.

.الحديث العشْرُونَ:

عَن أم سَلمَة رَضي اللهُ عَنها «أَن امْرَأَة كَانَت تهراق الدَّم عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فاستفتيت لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: لتنظر عدد الْأَيَّام والليالي الَّتِي كَانَت تحيضهن من الشَّهْر قبل أَن يُصِيبهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فلتترك الصَّلَاة قدر ذَلِك من الشَّهْر، فَإِذا خلفت ذَلِك فلتغتسل، ثمَّ لتستثفر بِثَوْب، ثمَّ لتصل».
هَذَا الحَدِيث عَلَى شَرط الصَّحِيح رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الْأَئِمَّة: مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم وَأحمد والدارمي فِي مسنديهما وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ، وَابْن الْجَارُود فِي المُنْتَقَى من رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار، عَن أم سَلمَة رَضي اللهُ عَنها بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَغَيره: إِسْنَاده عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم.
قلت: وَأعله جمَاعَة بالانقطاع، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا حَدِيث مَشْهُور إِلَّا أَن سُلَيْمَان بن يسَار لم يسمعهُ من أم سَلمَة، وَكَذَا قَالَ فِي خلافياته أَن سُلَيْمَان لم يسمعهُ مِنْهَا، إِنَّمَا سَمعه من رجل عَنْهَا، كَذَلِك رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد وَعبيد الله بن عمر وصخر بن جوَيْرِية، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن رجل عَنْهَا. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي الْوَهم والإِيهام: هَذَا حَدِيث مُرْسل فِيمَا أرَى. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي شرح الْمسند: إِنَّه مُرْسل. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: لم يسمعهُ سُلَيْمَان مِنْهَا، وَرَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن مرْجَانَة، عَن أم سَلمَة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: قد اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، فَرَوَاهُ مَالك، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن أم سَلمَة. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَسد بن مُوسَى، عَن اللَّيْث، عَن نَافِع. وَرَوَاهُ كَذَلِك أَسد أَيْضا، عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، عَن الْحجَّاج، عَن نَافِع بِهِ.
قَالَ: وَقيل بِإِدْخَال رجل بَين سُلَيْمَان، وَأم سَلمَة، فَرَوَاهُ اللَّيْث، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان أَن رجلا أخبرهُ عَن أم سَلمَة... الحَدِيث.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من غير سِيَاقَة أَلْفَاظه كلهَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَخْر بن جوَيْرِية، عَن نَافِع، ذكره أَبُو دَاوُد محيلاً عَلَى رِوَايَة اللَّيْث، وَسَاقه الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن الْجَارُود بِتَمَامِهِ من حَدِيث صَخْر، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان: أَنه حَدثهُ رجل عَن أم سَلمَة، وَكَذَلِكَ ذكر عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن رجل، عَن أم سَلمَة. ورأيته فِي مُسْند السراج لَيْسَ بَين سُلَيْمَان وَأم سَلمَة أحد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن رجل من الْأَنْصَار: «أَن امْرَأَة كَانَت تهراق الدَّم».
وَذكر المُصَنّف- أَعنِي الرَّافِعِيّ- فِي شَرحه للمسند مقَالَة الْبَيْهَقِيّ السالفة، وَأجَاب عَنْهَا فَقَالَ: ذكر الْبَيْهَقِيّ أَن سُلَيْمَان لم يسمع هَذَا الحَدِيث من أم سَلمَة مستدلاً بِأَن اللَّيْث رَوَاهُ عَن نَافِع عَن سُلَيْمَان، عَن رجل عَنْهَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جوَيْرِية بن أَسمَاء وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، وَعبيد الله بن عمر عَن نَافِع، لَكِن يُمكن أَن يكون سَمعه سُلَيْمَان من رجل عَن أم سَلمَة ثمَّ سَمعه مِنْهَا، فروَى تَارَة هَكَذَا وَتارَة هَكَذَا. قَالَ: وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ أَن سُلَيْمَان بن يسَار سمع ابْن عَبَّاس وَأَبا هُرَيْرَة وَأم سَلمَة. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ.
وَهُوَ جمع حسن وَبِه يتَّفق الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور وَقد جزم صَاحب والكمال بِأَن سُلَيْمَان سمع مِنْهَا، وَتَبعهُ الْمزي والذهبي.
فَائِدَة: يهراق، كَذَا جَاءَ عَلَى مالم يسم فَاعله- بِضَم الْيَاء وَفتح الْهَاء- أَي يصب. وَالدَّم مَنْصُوب عَلَى التَّشْبِيه بالمفعول، أَو عَلَى التَّمْيِيز عَلَى مَذْهَب الْكُوفِيّين. قَالَه صَاحب الْمطَالع وَيجوز أَن يكون منعوتًا بيهراق، وقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه: الدَّم مَنْصُوب عَلَى التَّمْيِيز وَإِن كَانَ معرفه وَله نَظَائِر أَو يكون أجري مجْرى: نفست الْمَرْأَة غُلَاما. وَيجوز رفع الدَّم عَلَى تَقْدِير إهراق دماؤها، وَيكون الْألف وَاللَّام بَدَلا من الْإِضَافَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} أَي عقدَة نِكَاحه أَو نِكَاحهَا.
وَالدَّم مخفف اللَّام عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة، وَفِي لُغَة شَاذَّة بتشديدها.
وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «فلتترك» يجوز فِي هَذِه اللَّام- وَشبههَا فِي لامات الْأَمر الَّتِي يتقدمها فَاء، أَو رَاء أَو ثمَّ- ثَلَاثَة أوجه: كسرهَا، وإسكانها، وَيجوز فتحهَا عَلَى غرابة. وَقد تقدم مَعْنَى الاستثفار فِي حَدِيث حمْنَة الْمُتَقَدّم أول الْبَاب.
وخلفت- بتَشْديد اللَّام- أَي: جَاوَزت ذَلِك وَجَعَلته خلفهَا.
فَائِدَة ثَانِيَة: هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلت لَهَا أم سَلمَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هِيَ فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش، كَذَا صرح بهَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب فِي هَذَا الحَدِيث.
قَالَه أَبُو دَاوُد وَالله أعلم.